روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت بك الفصل 19

رواية تعافيت بك الفصل 19 “الفصل التاسع عشر”رواية تَعَافَيْتُ بِكَ “دخلتُ حربًا فقط لأجل عيناكِ..ولم تأتني الهزيمة إلا من سواها”
____________

قد تعيش سنوات عُجاف لن تستطع الوقوف بها على قدميك، تُعاني روحك من الظمأ، تشعر حينها وكأن قلبك سُجِنَ بين أضلعه، إلا أن يأتي العوض لكَ، وفجأة يتحرر ذلك السجين ويشبه الفراشة في حريته.

بعد الكلمات التي ألقاها «ياسين» على مسامع «خديجة» يتغزل بها في أعينها، أصابها الخرس مع جحوظ مؤقت في العينين و فمٍ مفتوح ببلاهة من مفاجأة وقع الكلمات على أذنيها، وللحق مرت الكلمات على أُذينها قبل أذنيها، أما هو تصنع الثبات إلا أبعد الحدود، وحينما لاحظ طيلة صمتها أشار بكفه أمام أعينها ثم قال:
“يا ست الكل ؟ يا خديجة”

حركت رأسها نفيًا ثم قالت له ببلاهة:
“نـعم”

حاول كتم ضحكته ونجح في ذلك ثم قال:
“نعم؟ كـدا أنتِ إتثبتي”

ثم غمز لها بطرف عينه وهو يبتسم.
خجلت من فعلته تلك وشعرت بالتوتر لكنها سألته مرة أخرى وهي تقول:
“هو أنا سمعت صح؟ ولا دي تَهيُأت؟”

حرك رأسه نفيًا ثم قال:
“لأ يا خديجة سمعتي صح”

أحمرت وجنتيها وزادت حمرتها أكثر من نظرته لها، إلتفت تنظر للجهة الأخرى وهي تأخذ نفسها لعلها تهدأ من فرط توترها، لاحظ حركتها تلك لذلك أشفق على حالها ثم قال:
“أنا أسف لو كنت ضايقتك، بس أنا كنت مجهز الكلام دا أقوله لكِ أول مرة نتقابل فيها بعد كتب الكتاب وبصراحة أنا شخص صريح مش بعرف أخبي مشاعري”

أومأت له مُتفهمة ثم قالت:
“لأ أبدًا متضايقتش ولا حاجة، أنا..أنا بس إستغربت إن الكلام باللغة العربية الفصحى”

تصنع الإندهاش وهو يقول:
“إيه دا هو فيه ناس مبتتكلمش لغة عربية فُصحى”

نظرت له بهدوء ثم قالت:
“الناس كلها بتستغرب من اللي بيحبها، الغريب إن كتير كانوا بيتريقوا عليا لما أتكلمها، أنا بس إستغربت إن فيه حد لسه بيتغزل بيها”

أنهت حديثها ثم سألته مُستفسرة:
“ليه بتتكلم بيها يعني دي مش أول مرة تقولي فيها كلام زي دا؟”

هز كتفيه وهو يتصنع اللامبالاة ثم قال:
“عادي يعني بحبها، بحسها أسهل في التعبير عن المشاعر بصراحة”

كان يكذب عليها ولكنها صدقته من إتقانه في الحديث، فهو على الرغم من جمال كلماته، إلا إنه كان يكره اللغة العربية ولم يستطع التعبير بها.

بعد فترة من الصمت من كليهما، أخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
“على فكرة أنا لسه معرفش حاجة عنك..يعني كلميني عنك”

وفي تلك اللحظة تردد على مسامعها حديث «وليد» عن حربها وعن ماضيها، و للوهلة الأولى شعرت بالخوف من أن يتركها من طريقتها كما فعل غيره، تعلم أن الطريق صعب لكن يكفيها المحاول ،وعلى الرغم من إضطراباتها وقلقها النفسي إلا أنها لم تظهر عليها الأعراض المُصاحبة لها دائمًا وما ظهر فقط هو سرعة نبضات قلبها، شردت هي في نفسها وفي الاطمئنان الذي إحتل قلبها، كيف حدث كل ذلك كيف من مقابلة واحدة يختفي خوفي، كيف أشعر بالأمان برفقته وعند هذه النقطة إكتشفت أنها أسترسلت معه في الحديث كثيرًا، وهذه على غير عادتها..كان ينظر لها ولقسمات وجهها والتغيرات التي تطرأ عليها وهو يعلم جيدًا بما تُفكر وكيف تُفكر..وفجأة شعرت برجفة بسيطة في كفيها، فتحدثت بصوتٍ مهزوز وهي تقول:

“لـ..لو سمحت هو ينفع أروح؟”

على الرغم من حزنه على تغيرها فجأة لكنه إبتسم مُطمئنًا لها ثم قال:
“طبعًا ينفع، يلا علشان أوصلك”

أومأت له ثم أخذت نفسًا عميقًا لكي تُهدئ به نفسها بينما هو كان ينظر لها ويراقب تصرفاتها عن كثب وحينها قرر قرار لا رجعة فيه.
___________

في منزل آلـ «رشيد» تحديدًا في الطابق الخاص بشقة «مُحمد» كانت «عبلة» جالسة وهي تُفكر في حديث أخيها عن «وليد» وعن حديثه أمام أخويهما، للحق لمست الصدق في حديثه ونظرته، كما ان علاقته بـ «هدير» لم تكن علاقة مُحبذة لتجعل بينهما قصة حب، لذلك إتخذت قرارها ثم قررت أن تُفاتح أخيها في قرارها.

في غرفة «طارق» كان جالسًا على فراشه وهو مُمسكًا صورة بين كفيه، كان ينظر للصورة بعمقٍ ثم أخرج زفيرًا قويًا ثم تبعه بقوله:
“لو كنتي موجودة كانت حاجات كتير إتغيرت، كان زماني كاتب كتابي عليكي زي ما قولتيلي وأنتِ صغيرة إنك هتتجوزيني في نفس يوم جواز خديجة، عارفة كمان إن أنا وهي أكتر أتنين تعبنا بعدك، هي إتلامت بسببك ومعرفتش تقرب من حد  وأنا عيشت عمري كله مش قادر أنسى حبي لكِ ولا عارف أشوف غيرك”

قام بتقبيل الصورة ثم نظر لها مرة أخرى، أخرجه من ذكرياته تلك طُرقات على باب غرفته من قِبل أخته «عبلة» قام بوضع الصورة تحت وسادته ثم فرك وجهه بكفيه ليمحي أثار تعبيراته السابقة، ثم قال بصوتٍ أجش:

“أدخــل”

دخلت «عبلة» الغرفة ثم جلست بجانبه على الفراش وهي تنظر له بتفحص ثم قالت:
“أنتَ كنت بتعيط يا طارق ولا إيه؟ و وشك أحمر كدا ليه؟”

تصنع الثبات ونظر لها ثم قال بسخرية:
“أعيط! ليه إن شاء الله ياختي، كل الحكاية إني بفكر في الشغل والمرحلة الجاية، لسه عاوز أحقق أحلام كتير أوي”

هذه هي حُجته الدائمة حينما يأخذه التفكير في رحلة إلى الذكريات الماضية، كانت «عبلة» تعلم أنه يكذب عليها، لذلك لم تريد التطرق إلى الموضوع أكثر من ذلك فقالت بعدما زفرت بعمق:
“ربنا معاك يا حبيبي وتحقق كل اللي بتتمناه، ويجمعك باللي نفسك فيه”

نظر لها فـفهم من نظرتها له أنها علمت فيما كان يفكر قبل دخولها أومأ لها برأسه ثم آمن وراء دعاؤها، أما هي أخذت نفسًا عميقًا وكأنها تُعد نفسها ثم قالت:

“طارق ، أنا قررت أدي علاقتي بـوليد فرصة، وهنسى كل اللي فات، حتى الرسالة اللي شوفتها بعيني هعمل نفسي مشوفتهاش أصلًا، بس أنتَ اللي مسؤول قُصادي لو طلع بيكذب عليا”

إعتدل «طارق» في جلسته حتى إقترب منها أكثر ثم سألها بـلهفة قائلًا:
“بجد يا عبلة.. يعني مش هترجعي لأسلوبك الزفت دا تاني معاه؟”

هزت رأسها نفيًا ثم قالت:
“لأ يا طارق بس أنتَ اللي هتضمنلي إنه مش زي ما أنا فاكرة”

إحتضنها «طارق» ثم قال بفرحة عارمة إحتلت نبرة صوته:
“وأنا موافق وأضمنهولك برقبتي”

أومأت له ثم تركته وخرجت من الغرفة وهي تحاول السيطرة على ثبات ملامح وجهها.
____________

في الطريق وسط «الزحام» كانت «خديجة» تنظر من نافذة السيارة على الطريق بجانبها وهي تُشبه الطريق برأسها الذي لا يخلو من زِحام الأفكار، كانت تفكر كيف إستطاعت الإسترسال معه في الحديث، وكيف فكر بها وفي حديثها، وما هذا الإعتراف الصريح الذي رماه على مسامعها..أما هو كان يفكر في تغيرها المُفاجيء الذي فجأه، ولولا أنه على عِلم بحالتها لكان ظن الكثير من الظنون، هز رأسه نفيًا بقوة ثم تنحنح يُنقي حنجرته ثم قال بصوتٍ حاول جعله هادئًا:
“خديجة هو فيه حاجة ضايقتك؟ أو أنا زعلتك؟”

نظرت له مُتعجبة ثم هزت رأسها نفيًا وهي تُجبر شفتيها على الإبتسام ثم قالت:
“لأ أبدًا مفيش.. أنا بـ..بس مش واخدة على الخروج كتير علشان كدا بس اتوترت شوية”

أومأ لها في هدوء ثم قال:
“أنا أسف لو صممت إننا نخرج، بعد كدا ممكن نتقابل في البيت عندكم”

إبتسمت بتوتر ثم قالت:
“لأ أبدًا متقولش كدا.. مفيش مشاكل”

إبتسم لها موافقًا ثم أوقف السيارة أمام منزلها، نظرت حولها  أما هو خرج من السيارة ثم ذهب إلى جهتها ثم قام بفتح الباب لها نظرت له مُتعجبة فوجدته يمد كفه لكي تتمسك به وتترجل من السيارة..مسكت كفه بتوتر ثم نزلت من السيارة وحينما أوشكت على دخول البيت وجدته يمسك به بتملك ثم قال ببسمة هادئة:
“أنتِ أمانة عندهم لحد ما تكوني في بيتي.. وعلشان أنا عاوزهم يحافظوا على الأمانة لازم أنا كمان أحافظ عليها، علشان كدا هوصلك لحد الشقة”

زحفت حُمرة الخجل إلى وجنتيها وكأن الدماء تسيل عليهما..ثم أخفضت رأسها بخجلٍ، ركبا المِصعد سويًا في جو مليءٌ بالتوتر من كليهما..وبعد مرور ثوانٍ توقف المِصعد أمام شقتها..قام بالضغط على زر جرس الباب..فتحت لهما والدتها وحينما رآت «ياسين» تهلل وجهها فَرِحًا ثم نظرت إلى كفيهما المتعانقين عندما لاحظت «خديجة» موضع نظر والدتها، سحبت كفها من كفه في هدوء، إبتسم هو بثبات فتحدثت والدتها قائلة:
“وأنا أقول البيت نور ليه.. دا علشان ياسين هنا، اتفضل يا حبيبي إدخل”

هز رأسه نفيًا ثم قال بنفس بسمته:
“أنا مُتأسف والله مش هقدر علشان أنا أتأخرت، مرة تانية”

هزت رأسها نفيًا ثم قالت بقوة:
“لأ أبدًا متحاولش..هتدخل يعني هتدخل وحظك حلو عمك طه جوه يلا علشان ميزعلش”

نظر لـ «خديجة» فأومأت له بهدوء وكأنها تحثه على الدخول أومأ لها ثم دخل معها، جلس «ياسين» في غرفة الصالون، أما هي دخلت المطبخ مع والدتها ثم خرجت له بكوب عصير ثم قالت بهدوء:
“بابا هيجي حالًا”

أومأ لها مُبتسمًا ثم قال:
“مفيش مشاكل براحته.. أقعدي معايا أنتِ لحد ما يخرج”

نظرت له فوجدت نظرته كأنها تترجاها للموافقة، فلم تستطع الرفض أمام تلك النظرة لذلك جلست على المقعد الذي يقع بجانبه إبتسم لموافقتها، أما هي كانت تنظر للأرض ولم ترفع عيناها له، خرج والدها وهو يُرحب به، أما هي إستأذنت ثم دخلت غرفتها، وبمجرد دخولها غرفتها إرتسمت بسمة على شفتيها ثم إرتمت على فراشها وهي تُفكر في كلماته ونعومتها
___________

كان «وليد» طوال اليوم غارقًا في نومه من كثرة إرهاق الأيام الماضية عليه وكثرة التفكير، إستيقظ على صوت هاتفه وهو يصدح عاليًا برقم «طارق»، أمسك هاتفه ثم قام بالرد عليه بصوتٍ يظهر فيه أثر النوم وهو يقول:
“خير يا طارق في إيه؟”

أجابه «طارق» بنبرة جامدة وهو يقول:
“عاوزك بسرعة في شقتنا يا وليد إطلعلي”

إعتدل «وليد» على فراشه ثم قال:
“بُص يا طارق لو هنزل وأختك تحرق دمي يبقى إنسى، علشان أنا ضغطي عالي وممكن اخرب الدنيا دلوقتي”

بنفس النبرة الجامدة تحدث «طارق» قائلًا:
“ما تطلع يا وليد أنا هشحتك ولا إيه؟”

تحدث «وليد» بنفاذ الصبر وهو يقول:
“تمام يا طارق هاخد دُش وأطلعلك أشوف أخرتها”

قام «وليد» ثم تحمم وتوضأ وقام بتأدية ما فاته من الفروض، ثم خرج من غرفته وجد والديه يجلسان سويًا، فتحدث والده بسخرية قائلًا:
“يا أهلًا يا عريس، إيه هتنام لحد إمتى؟”
ردت عليه «مروة» بطيبتها المعهودة قائلة:
“دا طلع عينه في ترتيبات كتب كتاب خديجة، وفي خطوبته المفاجأة دي كمان، سيبوا يرتاح”

إبتسم والده ثم قال بفخرٍ:
“بس الواد وليد طلع جامد زيي مضيعش وقت وطلبها قدام الكل”

إبتسم له «وليد» ثم غمز له بفخرٍ مُماثل لفخر أبيه وهو يقول:
“تربيتك يا حاج مُرتضى”

تحدثت والدته قائلة:
“كدا نسبنا محمود و محمد، يارتني ما كنت رضعت خديجة”

نظر لها «وليد» ثم قال:
“يمكن من مصلحتها إنك ترضعيها علشان ربنا يكرمها بياسين، الله أعلم لو كان واحد فينا إتجوزها كان إيه الوضع دلوقتي”

أومأ له والديه في موافقة فتحدث «وليد» وكأنه تذكر لتوه قائلًا:
“صح هو وئام راح فين؟ أنا صليت الجمعة ونمت وهو نام قصادي”

تحدثت والدته قائلة:
“خد مراته ومشي هيقعد يعمل إيه بقى”

أومأ لها ثم ذهب إلى المطبخ لكي يقوم بإعداد قهوته… في الأعلى في شقة «خديجة» كان «ياسين» جالسًا مع والدها بعدما رحب به بشدة وفي وسط الحديث سأله «طه» بإحراج وهو يقول:
“أنا أسف يا حبيبي.. بس أنا عاوز أسألك على حاجة”

أومأ له «ياسين» موافقًا ثم قال:
“طبعًا يا عمي إتفضل”

تنحنح يُنقي حنجرته ثم قال:
“هي خديجة زعلتك النهاردة، أو قالت حاجة ضايقتك؟”

نظر له «ياسين» مُتعحبًا ثم قال:
“ليه يا عمي بتقول كدا؟”

وبنفس النبرة المهتزة التي تحمل الإحراج في طياتها قال:
“لأ أبدًا يا حبيبي، هي بس طيبة أوي وعلى نياتها أوي أوي فممكن تكون قالت حاجة تزعلك”

رغم تعجب «ياسين» من حديث والدها إلا إنه قال بثبات وصدق:

“لأ أبدًا يا عمي محصلش حاجة تزعلني وحتى لو حصل حاجة تزعلني منها أنا أقدر أتعامل مع مراتي من غير ما حد يتدخل بيننا”

شعر «طه» بالإحراج من حديثه فتصنع الثبات وهو يقول:
“ربنا يكرمك يا حبيبي ويتمملكم علي خير”

أومأ له «ياسين» وهو يؤمن وراء الدعاء ثم إستأذن منهم جميعًا لكي يرحل بعد محاولات فاشلة في إقناعه بالجلوس أكثر لكنه أصر على الذهاب وعلى أن يكون اللقاء قريب، خرج «ياسين» من الشقة ثم ركب المصعد، كان «وليد» يشعر بالإرهاق في جميع أنحاء جسده لذلك لم يستطع الصعود حتى ولو طابق واحد فضغط على زر المصعد لكي ينقله إلى شقة «طارق» توقف المصعد أمام شقة «وليد» فتح الباب فتفاجأ بـ «ياسين» داخله نظرا كلاهما إلى بعضهما البعض بتعجب فتحدث «ياسين» قائلًا:

“رايح فين كدا يا وليد؟”

أخذ «وليد» نفسًا عميقًا ثم قال مُردفًا:
“طالع عند خطيبتي ، ولا أنتَ بس اللي مسموح لك تزور خطيبتك؟”

نظر له «ياسين» مُتفحصًا بتعجب، فكان «وليد» يرتدي تيشيرت من اللون الرمادي على بنطال رياضي من اللون الأسود و نِعال بيتي نفس لون التيشيرت وشعر غير مرتب على الرغم من نعومته، فتحدث بسخرية قائلًا:

“طالع تزور خطيبتك كدا؟”

بنفس السخرية رد عليه «وليد» قائلًا:
“هو أنا لازم ألبس بدلة يعني علشان أطلعلها؟”
علم «ياسين» أنه يرمي عليه بحديثه فأخذ نفسًا عميقًا ثم قال:
“مش دا المهم دلوقتي، المهم عاوزين نروح لهناء”

تعجب «وليد» من طلبه فسأله مستفسرًا:
“نروح لـهناء ليه ؟في حاجة حصلت؟”

قص عليه «ياسين» تغيراتها وبتدل تعابير وجهها مع التحفظ على بعض التفاصيل الخاصة بهما و بعلاقتهما سويًا، فربت «وليد» على ذراعه ثم قال:
“خلاص بكرة بعد الشغل نروح سوا، أنا بخلص الساعة ٥ كدا”

أومأ له «ياسين» ثم قال:
“تمام يبقى الساعة ٦ أو ٦ ونص بالكتير نتقابل”

وافقه «وليد» في حديثه ثم ودعا بعضهما البعض، صعد «وليد» شقة عمه وجد «طارق» في إنتظاره، ألقى عليه التحية ثم جلس بجانبه أما عمه وزوجته فنزلا سويًا ليجلسا مع باقي أفراد العائلة كعادة لهم، يجتمعون في شقة المناسبات ليلًا، كان يبحث بعينه عنها فتحدث «طارق» بصوتٍ منخفض وهو يقول:
“بص أنا مش عارف هي حصلها إيه؟ بس هي كلامها النهاردة كان غريب أوي، وقالت إنها قررت تديك فرصة تانية، حتى قالت إنها هتنسى الرسالة اللي شافتها”

تعجب «وليد» من حديثه فقال مُستفسرًا:
“ودا لوحدها كدا ولا أنتَ قولتلها على هدير؟”

حرك «طارق» رأسه نفيًا ثم قال:
“لأ مجبتش سيرة عن هدير خالص، بس إتكلمت معاها إنها ممكن تندم لو ضيعتك من إيدها”

أومأ له «وليد» ثم ربت على فخذه بإمتنان ثم قال:
“ربنا يباركلي فيك يا طارق”

إبتسم له «طارق» ثم تحدث بصوتٍ عالٍ لكي يصل إلى شقيقته:
“عــبــلـة، وليد هنا هاتي الشاي وتعالي”

في الداخل توترت «عبلة» قليلًا بعدما تذكرت حديثه بالأمس وإعترافه أمام أخويهما، لكنها هدأت نفسها ثم تصنعت الثبات وبعضٍ من الشجاعة الواهية ثم أخذت الأكواب وخرجت بعدما ضبطت من وضع حجابها، خرجت وهي تحمل صينية بها أكواب من العصير و صحون صغيرة بها قطع من الكيك الذي يحبه «وليد» وبمجرد إقترابها منهما ، نظرا إلى بعضهما البعض بخبثٍ فهي أحضرت كل ما يفضله «وليد» وضعت الأشياء من كفيها من جلست بجانب «طارق» ثم تحدثت بصوتٍ هاديء وهي تقول:

“نورت يا وليد”

لو أقسم الجميع لـ «وليد» أنه سيأتي اليوم الذي تعامله به «عبلة» بهذه الطريقة ما كان ليصدق أحدًا منهم، لكن ما يراه الآن حقيقة وهي حقًا تعامله بلطفٍ كما أنها حرصت على إحضار ما يفضله، كانت تنظر له بضيق لأنه لم يرد على جملتها، عندما لاحظ «طارق» صمته وكزه في كتفه ثم قال:
“ما ترد عليها يا حيوان، إحنا ما صدقنا”

هز «وليد» رأسه بقوة ثم إبتسم ببلاهة وهو يقول:
“قولي اللي قولتيه تاني كدا يا عبلة؟”

نظرت لأخيها فهز كتفيه كأنه يقول لها:
“مفيش حل تاني”
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت ببمسة هادئة:
“نورتنا يا وليد”
بادلها نفس البسمة ثم قال:
“والله ما حد منور غيرك، دا نورك غطى على نور البيت كله”

وكزه «طارق» برفق ثم قال:
“مش للدرجة دي أنا مش قاعد نجفة وسطكم”

نظر له «وليد» ثم قال:
“ياعم مرة من نفسي،أنا بقالي سنين بتمنى اللحظة دي”

نظرت له «عبلة» وهي تستشف صدق نظرته وحديثه وفي تلك اللحظة عاهدت نفسها أنه إذا حتى كان معجب بـ«هدير» من قبلها ستنسى كل ذلك وتبدأ معه من جديد، خرجت من شرودها وعادت إلى الواقع ثم قامت لكي تعطي «وليد» العصير و الطبق الخاص به، أخذهم منها وهو يبتسم بحب ثم قال:

“أنتِ جايبة فراولة مخصوص ليا؟”

أومأت له بهدوء وهي تبتسم ثم أعطت «طارق» العصير الخاص به، ثم جلست وأمسكت الكوب الخاص بها وكان من نفس شكل كوب «وليد» حتى إنه نفس نوع العصير، فتحدث «وليد» بخبثٍ:
“كمان نفس شكل الكوباية، ونفس العصير؟ دا أنتِ واقعة خالص”

نظرت له بحنقٍ بينما «طارق» مال على أذنه وهو يقول بصوت منخفض:
“تصدق بالله أنتَ مينفعكش غير المعاملة الزفت اللي كانت بتعاملها لك”

إبتسم له «وليد» ثم قال:
“يا عم بهزر مع خطيبتي الله، وحياة أمي لولا خوفي من جنانها كنت كتبت الكتاب إمبارح”

تحدثت هي بضيقٍ منه قائلة:
“ما تحترم نفسك بقى إيه جنانها دي؟”

نظر لها بحب ثم قال:
“خلاص يا ستي، ست العاقلين كلهم حلو كدا؟”

أومأت له في رضا ثم عادت تمسك بالطبق مرةً أُخرى، أما هو إبتسم بسعادة بالغة لوصوله لهذه النقطة في علاقته معها.
______________

أثناء قيادة «ياسين» للسيارة وصله مكالمة هاتفية من رقم «خالد» يطلب منه القدوم لمنزل «ميمي» لكي يجلس معهم، لم يستطع الرفض، لذلك غير وجهته وذهب إلى شقة «ميمي» وعند دخوله الشقة وصل إليه صوت «عامر» وهو يُهلل فَرِحًا بعدما ربح «ياسر» في لُعبة الأوراق الرقمية وما يُطلق عليها «الكوتشينة» دخل وألقى التحية على الجميع فلم يرد عليه كلًا من «ياسر» و «عامر» نظر لهما بتعجب ثم جلس بجانب «خالد» نظر له «خالد» مُتفحصًا فوجد علامات الإرهاق بادية على وجهه وكأنه يُصارع نفسه، فربت على كتفه وهو يقول بصوتٍ دافيء:

“مالك يا ياسين شكلك تعبان أو مُجهد، في حاجة مزعلاك”

الحياة تُشبه البحر في غدره وقد تتفاجأ بصراعتها كما يُفاجئك الموج في تلاطمه، ولكن مايريح حقًا هو وجود الأصدقاء، حقًا صدق من قال:
“الدنيا بحرٍ عالٍ وما الأصدقاء سوى طوق النجاة”

ربت «ياسين» على ذراع «خالد» بإمتنان ثم قال:
“أنا كويس يا حبيبي متخافش، هو بس تعب الأيام اللي فاتت والتحضير لكتب الكتاب والتوتر كل دا تعبني شوية”

أومأ له «خالد» ثم قال:
“ربنا معاك يا حبيبي ويريح قلبك”

نظر «ياسين» حوله فلم يجد «ميمي» فسأل عنها مُستفسرًا، فأجابه «خالد» قائلًا:
“هي إستنتك تيجي ولما اتأخرت خدت علاجها وأنا دخلتها تنام”

أومأ له «ياسين» وقبل أن يتحدث مرة أخرى أوقفه صوت «ياسر» وهو يسأل «عامر» بسخطٍ قائلًا:
“في إيه يا عامر ؟ دا سابع ولد تُقش بيه”
رد عليه «عامر» بضيق وهو يقول:
“في إيه يا ياسر العيل بيجي برزقه يا حبيبي”

رد عليه «ياسر» بسخرية:
“عيل إيه دا اللي بيجي برزقه يا أهبل أنتَ؟ أنتَ فاكر نفسك في حضانة الهُدى؟”

كل ذلك و «خالد» و «ياسين» لم يتمالكا نفسهما من الضحك، فتحدث «ياسر» وهو يقول وكأنه يحدث نفسه:
“عَمال أقول أكيد في حاجة غلط أو أنا عديت الولاد غلط، بس لأ دا سابع ولد يظهر كدا كتير”

تدخل «خالد» بعدما أوقف ضحكاته وهو يقول:
“يا عيني على أختي وحظها، أنا كدا هبدأ أخاف على ذكاء ولاد أختي من قبل ما أشوفهم”

ضحك الجميع على «ياسر» بينما تحدث «ياسين» قائلًا:
“يعني تتلغبط في عدد الولاد يا ياسر ممكن تحصل يعني الولاد عددهم كتير، لكن غباءك وصلك إنك متاخدش بالك إنه لم الورق مرتين بنفس الكومي؟ يعني كوتشينة إيه دي اللي فيها أتنين كومي؟”

حديث «ياسين» لفت إنتباه «ياسر» بينما «عامر» نظر بذعر حوله من ردة فعل «ياسر» وفي خلال ثوانٍ كان «ياسر» مُمسكًا برقبة «عامر» من الخلف وهو يقول:
“يا أخي هو ربنا خلقني علشان أنتَ تضحك عليا؟ قرفتني في عيشتي”

كان «عامر» يلوح بذراعه دون الإستطاعة في الحديث نظرًا لذراع «ياسر» الموضوع عند عنقه، تحدت «ياسين» يقول لـ «خالد»:
“فكهم من بعض يا خالد وخلصنا”
أطاح له «خالد» برأسه ثم قال:
“يا عم سيبك منهم دلوقتي ياسر يخاف ويسيبه هو دكتور وعارف بيعمل إيه”
وبعد ثانيتين ترك «ياسر» عنق «عامر» على مضدٍ ثم جلس على مقعده مرةً أخرى، أما «عامر» كان يدلك عنقه وهو يسعل بشدة وبعد فترة من الصمت تحدث «عامر» لـ «ياسر» وهو يقول:
“يلا يا ياسر نلعب فورة تانية؟”
لم يستطع «ياسر» الرفض فشرعا الأثنين سويًا في اللعب من جديد تحت نظرات التعجب والدهشة من «خالد» و «ياسين» ، فسألهما «ياسين» وهو يقول:
“هو أنتم كنتم بتلعبوا إيه ياض أنتَ وهو”

رد عليه «ياسر»:
“مش كنا بنلعب إيه.. إحنا لسه بنلعب يعني فعل مضارع يدل على الاستمرار يوضح المعنى ويقويه”

تدخل «عامر» ليرد على حديث «ياسر» بسخرية وهو يقول:
“فعل مضارع يوضح المعنى ويقويه ؟! ليه يا حبيبي هيشربه لبن ولا هيديله فيتامين c ؟
إسمها فعل مضارع يوضح المعنى ويؤكده بطلوا جهل بقى”

ضحك الجميع على حديث «عامر» بينما تحدث «ياسين» وهو يقول بسخرية:
“يا سلام وطالما أنتَ جامد أوي كدا في العربي، دخلت سياحة وفنادق ليه؟”

أجابه «خالد» متدخلًا بخبث:
“أصل كان بيحب ميس برديس بتاعة العربي أوي”

ضحك الجميع على تحول ملامح «عامر» بينما «ياسر» تحدث قائلًا:
“الدرس كان الساعة ١٠ الصبح يوم الجمعة دا كان بيودينا بيتها من الساعة ٨ مش عارف ليه بس كنا بنروح نستناكم”

ضحك الجميع على تلك الذكريات المُحببة للقلب التي لولاها لكان الإنسان يبكي من فرط نضجه وحزنه على ما أودت به الأيام.
_______________

بعد إنتهاء جلسة الشباب في شقة «ميمي» قاموا بإوصاد البيت ومنافذه بأكملها مع تجهيز وتحضير كل ما تحتاج إليه في الصباح، ذهب كل واحدٌ منهم إلى بيته، عند عودة «ياسين» وجد بيته هاديءً بعد نوم والديه، دخل غرفته ثم قام بتبديل ثيابه وجلس على فراشه وهو مُمسكًا دفترها بيده يتفحصه ويقرأ كلماتها التي حفظها عن ظهر قلب بعدما كان على وشك مُهاتفتها لكنه خشي أن يكون الوقت مُتأخرًا بالنسبة لها مما قد يسبب لها مضايقة، لذلك لم يجد طريقة سوى دفترها تجعله يشعر بقربها منه، أما هي كانت في غرفة الصالون تجلس مع «وليد» بعدما ترك شقة عمه «محمد» كانت متوترة من طلبه وهي تشعر بالخجل منه ومن طلبه لكنه لم يترك لها فرصة للرفض وسحب الهاتف من يدها ثم قام بالضغط على رقم «ياسين» وعندما ظهر له الإسم المُسجل به رقم «ياسين» نظر لها مُتعجبًا ببعض الإشمئزاز ثم قال:
“ياسين رياض الشيخ؟ ما تسجلي رقمه القومي بالمرة معاكي ولا حطي فصيلة دمه”

ضحكت على حديثه ثم قالت ببعض الشجاعة:
“أومال هو إسمه إيه يعني؟ مش دا إسمه”

حرك رأسه بيأس ثم قال:
“منك لله يا خديجة، أنتِ حلال فيكي إنك تعيشي زاهدة في الطبيعة كدا من غير شريك”
كان يتحدث وأصابعه تضغط زر الاتصال، عند «ياسين» عندما صدح صوت هاتفه توقع أنه أحد أصدقائه، وحينما نظر إلى الهاتف تهلل فَرِحًا ولم يستطع الإنتظار فقام بالموافقة على الرد حينها وضع «وليد» الهاتف على أذن «خديجة» ثم تركها وركض من الشقة بأكملها، حينما لاحظ «ياسين» صمتها تحدث قائلًا:
“خديجة؟ آلو يا خديجة”

ضغطت على جفنيها بقوة ثم تحدثت بصوتٍ مهزوز وهي تقول:
“أيوا..أنا خديجة”
إبتسم على إجابتها ثم قال بصوت مليء بالبهجة:
“مانا عارف إنك خديجة، خير أؤمري”

أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بصوتٍ مهزوز:
“هو يعني أنا..أنا يعني كنتـ..، بصراحة كدا كنت بطمن عليك وصلت ولا لأ، أتمنى مكونش أزعجتك”

خرجت كلماتها بسرعة كبيرة من فمها ولكنه إستطاع تمييزها فإبتسم ثم قال:
“لو كل إزعاج في حياتي بالجمال دا يا رب أنزعج كل يوم”

حسنًا لقد عاد كما كان من قبل، أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“طيب الحمد لله إنك كويس”

سألها بخبثٍ مُستفسرًا:
“وهو أنتِ بتحمدي ربنا علشان أنا بخير ليه؟ هو أنا قلقتك عليا أوي كدا؟”

ماذا تفعل هل تغلق الهاتف بوجهه أم تترك المكالمة وتذهب بعيدًا عن الهاتف، عادت من شرودها على صوته يقول بضحك:
“طب خلاص أنتِ روحتي فين يا ست الكل، على العموم أنا متشكر على مكالمتك دي وعلى ذوقك دا”

ردت عليه بنفس النبرة المهتزة:
“من العفو..عن إذنك بقى هنام علشان إتأخرت على معاد نومي..تصبح على خير”

إبتسم ثم قال بهدوء:
“وأنتِ من أهله يا خديجة، وشكرًا مرة تانية على مكالمتك دي”.
أغلقا الهواتف سويًا، هي كانت تفكر به وفي حديثه المعسول وطريقته المُحببة لقلبها، أما هو فشعر بالسعادة تغمر قلبه وكأنها علمت بحاله لذلك أطربت أذانه بصوتها قبل النوم”
______________

في اليوم التالي كانت الأمور طبيعية فكان كل فردٍ في عمله وملتزم بروتين يومه الطبيعي، وبعد إنتهاء عمل «وليد» سبق «ياسين» إلى عيادة الطبيبة «هناء» وبعد نصف ساعة تقريبًا وصل «ياسين» ، وبعد الترحيب ببعضهما البعض، صعدا سويًا إلى الطبيبة، وبعد الترحيب بهما من قِبل الطبيبة أخذ «ياسين» نفسًا عميقًا ثم قص عليها ما حدث في مقابلتهما والتغيرات التي طرأت عليها وعلى وجهها، مع الصراع الذي كانت تواجهه.

أخذت الطبيبة نفسًا عميقًا ثم قالت بهدوء مُردفةً:
“بص يا أستاذ ياسين، خديجة دلوقتي بدأت تتقبل وجودك يعني بقى أمر واقع بالنسبة لها، دلوقتي بقى خديجة بتصارع نفسها تعاملك بطبيعتها اللي هي دفنتها من طريقة معاملة باباها ليها، ولا تعاملك بالطريقة الأخيرة اللي هي بتتعامل بيها مع الكل،وبين دي و دي هي كل خوفها إنها تتساب أو إنها تعشم نفسها بقربك وأنتَ تسيبها مرة تانية”
وافقها «وليد» في الحديث ثم قال:
“هو دا بالظبط يا دكتورة اللي هي خايفة منه، بس فعلًا قلقها زاد أوي في الأخر”

أومأت له الطبيبة موافقة ثم قالت:
“دا طبيعي، حياتها شبه إتبدلت في الفترة الأخيرة، يعني لقت نفسها في علاقة رسمية ومطلوب منها تجاهد للحفاظ على العلاقة دي، علشان متتعرضش لأي إنتقاد في طبعها أو شخصيتها، هي ممكن تبان شخصية غريبة بس هي غصب عنها”

أومأ لها «ياسين» وهو يزفر براحة ثم قال:
“يعني الحل إنها تتعالج وإني أكون الداعم ليها..صح؟”
وافقته الطبيبة في حديثه، بينما هو نظر إلى «وليد» وكأنه يؤكد حديثه أنه لن يتنازل عن علاجها وحقه بها.
_____________

مرت الأيام التالية بهدوء على جميع حتى «خديجة» نفسها ولكن التغير الوحيد لها هي مكالمة «ياسين» لها أخر اليوم وفي يوم الاربعاء تحديدًا بعدما إنتهى «ياسين» من عمله وعاد إلى بيته..كان يتحدث مع «خديجة» هاتفيًا كعادته في الآونة الأخيرة فتنحنح بإحراج وهو يقول:
“خديجة ينفع أطلب منك طلب؟”

تحدثت بصوت منخفض قائلة:
“طبعًا إتفضل”

إستحسن ردها عليه فقال:
“عاوز اقابلك بكرة ضروري، بس للأسف مش هينفع في البيت عندك”

شعرت بالتوتر من طلبه، فهي لم تملك القُدرة الكافية حتى تعيد لقاء المرة السابقة، ولكنها لم تستطع الرفض فقالت بنفس الهدوء:
“ماشي يا ياسين مفيش مشاكل”

أوشك على الرد عليها، لكنه إنتبه إلى طريقة حديثها ولذِكر إسمه بين شفتيها فسألها بلهفة قائلًا:
“أنتِ قولتي إيه؟”

شعرت بالخوف أن تكون وقعت في الخطأ أمامه فقالت:
“أنا متأسفة لو قولت حاجة غلط”
هز رأسه نفيًا ثم قال ببهجة تلمأ صوته:
“لأ أبدًا والله..كل الحكاية إنك قولتي يا ياسين من غير حضرتك ومن غير أستاذ ودي حاجة مفرحاني”

إبتسمت على حديثه ثم صمتت ولم تستطع التحدث مرة أخرى أما هو فتنهد براحة ثم قال:
“المهم أنا بكرة هعدي عليكي زي المرة اللي فاتت، المهم إني هكلم عمي أستأذنه بكرة”

وافقت على طلبه وحديثه ثم أغلقا الهواتفق سويًا، جلست تُفكر في الغد وفي طلبه منها وفي كل ماهو آتٍ معه، في اليوم التالي وافق «طه» على طلب «ياسين» وكما المرة السابقة ذهب «ياسين» تحت بيتها بسيارته، نزلت «خديجة» وهي ترتدي بنطال من اللون الأسود قماشه فضفاض، وترتدي فوقه سترة من خامة الجينز وأسفل منه تيشيرت من اللون الأبيض وحجاب بنفس لون البنطال، كان الطقم رقيق عليها لدرجة كبيرة رغم بساطته إلا إنه كان محتشم يداري تفاصيل جسدها، وقفت أمامه وهي تبتسم بتوتر نتيجة إلتقائها به،وقف ينظر لها ثم قال:
“مش عاوزة تعرفي رايحين فين؟”

هزت كتفيها ثم قالت بهدوء:
“عاوزة بصراحة، وبرضه مُحرجة أسأل”

إبتسم لها ثم قال:
“مشوار اللي جاي كله في حياتنا مبني عليه”

نظرت له بتوتر من حديثه ثم قالت بتوتر جليْ على صوتها قبل ملامحها:
“طب المكان دا زحمة؟”

هز رأسه نفيًا ثم قال:
“لأ متخافيش مش زحمة، بس ضروري نروحه سوا”

أومأت له موافقة، وكما المرة السابقة فتح لها باب السيارة لكي تجلس بجانبه، ركب سيارته وبعد فترة من القيادة أوقف السيارة أسفل البناية التي تقع بها عيادة الطبيبة، كان في تلك اللحظة متوترًا أكثر منها بكثير خوفًا من ردة فعلها القادمة، أما هي فنظرت حولها تحاول إستبيان المكان أو التوصل لسبب تواجدهما في هذا المكان، خرج من السيارة ثم ذهب جهتها وفتح لها باب السيارة، نزلت وهي تنظر حولها بخوف أما هو فنظر لها بثبات ثم قال:
“أنا عاوزك تثقي فيا، وعاوزك تعرفي إن لو الدنيا دي كلها سابتك أو زعلتك أنا عمري ما أسيبك ولا أقدر أزعلك”
نظرت له بقوة ثم قالت بتوتر:
“طب أنتَ ليه بتقولي كدا؟”

أمسك كفها بين كفه ثم قال:
“هتعرفي لما نطلع فوق سوا، وخليكي فاكرة إني عمري ما آذيكي”

نظرت لموضع كفها بين كفيه بخجل وتوتر ثم أومأت له موافقة وهي كالمُغيبة، كانت تسير خلفه بهدوء وعينيها لم ترتفع من الأرض، أما هو كان يحتضن كفها بقوة وكأنها بذلك يبثها بعض القوة التي من المؤكد أنها خلال دقائق ستكون بحاجة إليها..في خلال ثوانٍ كانا يقفا سويًا أمام موظفة الاستقبال في العيادة وهي تخبره أن الطبيبة في إنتظارهما، توتر هو أكثر عند دخوله للطبيبة أما هي فلم تعي لما يدور حولها ولكنها ولأول مرة قررت الوثوق به لذلك لم تستفسر عن ذلك المكان ولا عن سبب وجودها به، دخلا سويًا للطبيبة، ورحبت بهما بوجهٍ بشوش..نظر «ياسين» للطبيبة حتى تبدأ حديثها، حاولت الطبيبة تنقية حلقها ثم بدأت تقص عليها سبب وجودها في هذا المكان، تحت نظرات «ياسين» المراقبة لها عن كثب وهو يرى تغيرات ملامحها وإنفعالتها، بعدما إنتهت الطبيبة من شرح الحالة توقعت غضب وثوران منها ولكن ماصدر منها هي نظرة منكسرة نظرت بها إلى «ياسين» ثم نكست رأسها للأسفل وهي تحاول التحكم في دموعها، نظر «ياسين» إلى الطبيبة ففهمت نظرته وإنسحبت من الغرفة بهدوء لكي تترك لهما المجال يفصحا سويًا عما بداخلهما، نظر لها بقوة وأيضًا لم تصدر أي ردة فعل عما صدر من الطبيبة، إقترب هو منها ثم أمسك كفيها بين كفيه وهو يشدد من مسكته ثم قال بصوتٍ متأثر:

“خديجة.. قولي أي حاجة، قولي إننا كدابين، قولي إنك كويسة وإحنا اللي مرضى نفسيين قولي أي حاجة غير السكوت”

رفعت رأسها وهي تنظر له بنفس النظرة المنكسرة ثم قالت بصوتٍ بالكاد وصل إلى مسامعه:

“هو أنتَ عرفت إزاي وإمتى؟”

على الرغم أن هذا السؤال غير متوقع بالنسبة له، إلا أنه أجابها بثبات وهو يقول:
“من تاني مرة شوفتك فيها، قلقك بان أكتر من المرة الأولى ولما سألت وليد هو اللي قالي”

نظرت له بعمقٍ أكثر ثم قالت:
“و..وهو و..وليد عارف باللي عندي كله”

أومأ لها «ياسين» ثم قص عليها ما قام «وليد» بفعله من أجلها ثم أضاف قائلًا:
“وصدقيني أنا معاكي وهكمل مكان وليد، وحتى لو والدك رافض أنا موجود، أنتِ مراتي يعني من حقي أقرر اللي في مصلحتك”

وعلى عكس المتوقع وقفت متأهبة وهي تبكي ثم قالت:
“ليه أنتَ اللي تتحمل نتيجة أفعاله؟ ليه أنتَ اللي تشيل مسؤولية هو إتخلى عنها، أنتَ معقبتنيش ولا ضربتني ولا إتريقت عليا قصاد العيلة كلها، ولا حبستني في أوضة ضلمة علشان حاجة أنا معملتهاش أصلًا؟”

وقف قبالتها ثم قال بحب:
“أنا هتحمل علشانك أنتِ، علشان عاوزك معايا في العمر اللي جاي عليا..عاوزك معايا شريكة لعمري وحبيبتي وأم لعيالي بس قبل كل دا عاوزك فرحانة عاوزك تنسي كل اللي زعلك في يوم ونبدأ من جديد حياة أنا وأنتِ مأسسينها صح.”

نظرت له بعدما مسحت آثار أدمعها ثم قالت:
“وأنا واحدة مسجونة في أوضة الذكريات الضلمة، هتستحمل تسجن نفسك معايا؟”

إقترب منها ثم أخذها بين ذراعيه وهو يقول بنبرة خرجت من فم عاشق قائلًا:

“حتى لو هتسجن معاكِ، السجن في وجودك بَراح يا خديجة”

يُتَبَع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى